تحليل

القنبلة النووية والهوية الإسلامية، أية مفارقة ؟

عبد اللطيف مجدوب

  إشكالية معقدة

   ظهرت ؛ في الآونة الأخيرة ؛ إرهاصات بوجود انشغالات سياسية محمومة حول تطور أنشطة اليورانيوم وتخصيبه لتصبح أسلحة نووية ، ذات تهديد عالمي ، ما فتئت أن أخذت تطفو إلى العلن ؛ لم تخل منها القصاصات الإعلامية اليومية ، سيما في الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة التي غدٌت ؛ وبشكل ملموس ؛ المخاوف الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، بقرب امتلاك إيران للقنبلة النووية ، ومن ثم تصميمها على إبادة كيانات سياسية ؛على رأسها إسرائيل ، رغم تركيزها في خطابها السياسي الرسمي على السلمية ( The pacifism) وتحاشيها للأغراض العسكرية.

في خضم هذا الزخم الهائل من المواقف والآراء السياسية المتباينة ، أمكن رسم ملامح إشكالية كبرى ، تتمثل في:

•هل للهوية أو بالأحرى الفكر الإسلامي السياسي حالياً القدرة على تصنيع قنبلة نووية وإمكانية استعمالها ؟

يمكن اقتراح مداخل لمعالجة الإشكالية في :

•هل قنبلة باكستان النووية إسلامية الهوية ؟

•الفكر الجهادي في الإسلام ؛

•ظاهرة التفجيرات الانتحارية وعلاقتها بالفكر الإسلاموي ؛

•مفهوم "الإسلام الإرهابي" بين التغريض والواقعية ؛

•امتداد الرغبة الجامحة إلى الإجهاز على أنظمة سياسية ؛

•هواجس اسرائيل تجاه السلاح النووي الإيراني المحتمل ؛

باكستان والقنبلة النووية

القنبلة الباكستانية ليست ذات هوية "إسلامية"، بل هي نتاج لمصالح الأمن القومي ، على الرغم من استخدام مصطلح "القنبلة الإسلامية" كأداة بلاغية، إلا أنه لا يعكس الدوافع الحقيقية للبرنامج النووي الباكستاني الذي تم تطويره كرد فعل على البرنامج النووي الهندي ، والسباق بين البلدين ناتج عن توترات تاريخية ، وليس دوافع دينية ، ذلك أن باكستان ملتزمة بجهود عدم الانتشار ولم تسع لتبرير برنامجها النووي بأيديولوجية دينية. ومفهوم "القنبلة الإسلامية" كان سردًا سياسيًا أكثر من كونه تعبيرًا عن الواقع الاستراتيجي ، وهناك علماء دين بارزون أدانوا الأسلحة النووية، مما يضعف فكرة وجود مبرر ديني لها ، أو بالأحرى دعوتها "بالقنبلة الباكستانية الإسلامية" ، بيد أنها مستهدفة في نهاية المطاف طالما أنها تدين بعقيدة الإسلام بنسبة %96.4 من السكان.

الفكر الجهادي في الإسلام

مصطلح "الجهاد" في الإسلام يعني "الكفاح" أو "الجهد" وينقسم إلى نوعين رئيسيين: **الجهاد الأكبر:** يتعلق بالكفاح الداخلي لتحسين الأخلاق والالتزام بالواجبات الدينية والسعي للمعرفة ، ثم **الجهاد الأصغر:** يشمل الجهود الخارجية لنصرة الإسلام، مثل:

   - **جهاد القلم/اللسان:** نشر الإسلام بوسائل سلمية.

   - **جهاد اليد:** تعزيز العدالة ومكافحة الظلم.

   - **جهاد السيف:** الحرب، التي تُعتبر خيارًا أخيرًا وتخضع لشروط صارمة.

تسيء الجماعات المتطرفة تفسير الجهاد، مركزة على الجانب العسكري فقط. الفكر الإسلامي السائد يتطلب سلطة شرعية لإعلان الحرب ويؤكد على أن الجهاد يشمل جهودًا روحية وفكرية، مع إعطاء الأولوية للسعي الأخلاقي.

•ظاهرة التفجيرات الانتحارية وعلاقتها بالفكر الإسلاموي ؛

هناك جماعات إسلاموية متطرفة ، كانت وراء سن "فكرة الجهاد" وتختصرها في إقدامها على عمليات انتحارية وسط جموع غفيرة من المدنيين تؤدي بالعشرات منهم ، وهي جماعات إرهابية تم توظيفها من جهات معادية للإسلام وتشتغل لتوسيع فكرة "الإسلام السياسي الإرهابي" أو ما دعي فيما بعد بإسلاموفوبيا ( Islamophobie ) .

•مفهوم "الإسلام الإرهابي" بين التغريض والواقعية

إن مصطلح "الإسلام الإرهابي" معقد ومثير للجدل. ففي حين تستغل الجماعات المتطرفة الخطاب الإسلامي لتبرير العنف، فإن مساواة الإرهاب بالإسلام هو تبسيط مفرط وخطير. الغالبية العظمى من المسلمين تدين الإرهاب ، وجذوره تكمن في مظالم سياسية واجتماعية واقتصادية محددة، وليس في عقيدة دينية متأصلة. إن المنظور المتوازن يقر بواقع الإرهاب ذي الدوافع الدينية مع تجنب التعميمات الضارة حول الإسلام وأتباعه ، ولا يخلو اﻷمر أن يكون أحد أدوات الفكر الصهيوني المدمر .

•هواجس إسرائيل تجاه السلاح النووي الإيراني المحتمل

العقيدة العسكرية الإسرائيلية ، كما تشهد عليها اﻷحداث الرهيبة في غزة ، تقوم على فكرة "السامية" وتهديد كل فكر مناهض لها أو مجرد انتقاد وطعن في سرديتها ، ويشهد العالم تيارا محموما بالكراهية ضد سياسة إسرائيل في الشرق اﻷوسط من تقتيل وإبادة وتهجير وإخلاء وتطهير ... كان لهذا التيار ردود فعل سياسية وعسكرية على الفكر السياسي الحاكم ، تمثل أساسا في الاشتباه في كل ما له صلة بالإسلام والعمل على استئصاله ، من أهدافه الكبرى العمل على تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" وتدمير كل ما بات يشكل تهديدا "لوجودها" ، أو باﻷحرى الدول النشيطة في المجال النووي ، وعلى رأسها إيران وباكستان ، ومن ثم العبور إلى الدول المناوئة كتركيا .

•كخلاصة مركزة ، فالهيمنة السياسية من جهة ، والتهديد الوجودي ، من جهة أخرى ، ذهب بالفكر الصهيوني إلى تحصين كيانه ، حتى ولو بتدمير كل ما يشتبه فيه ، أو كان ناقدا له.