صحة وعلوم

الصحة في خبر كان...

رشيد عفيف
الكارثة الصحية التي يمثلها مستشفى الحسن الثاني بمدينة أكادير ليست مجرد دليل إضافي على فشل المنظومة الصحية في بلادنا، بل هي أيضًا عنوان بارز لتوجه حكومة عزيز أخنوش القائم على اللبرلة المطلقة والخوصصة اللامشروطة والتفويت الشامل لمختلف الخدمات الاجتماعية التي أصبحت أكثر من أي وقت مضى فرصة لأصحاب الشكارة والمضاربين (حاشا أن يكونوا مستثمرين) الذين يتاجرون بمرض المغاربة وجهلهم وحاجتهم إلى الخدمات الطبية أو التعليمية.

حكومة التجمع الوطني للأحرار أعلنت منذ بداية مسؤولياتها أنها ستشجع المستثمرين وتفتح أمامهم الأبواب مشرعة لخلق الثروة وفرص الشغل، لكنها على ما يبدو أخطأت الطريق، وبدلاً من أن توجه الاستثمارات نحو المجالات التي تعزز القيمة المضافة وتستقطب العملات الصعبة عن طريق التصدير، تركزت هذه المضاربات في المصحات الخاصة والمؤسسات التعليمية الخصوصية، لما يمثله هذان القطاعان من مجالات واسعة للربح والاغتناء السريع.

وكي يقتنع هؤلاء المضاربون بفتح المزيد من المصحات والمؤسسات التعليمية الخاصة، فمن المؤكد أن توسيع دائرة السوق المحتملة وتعزيز الطلب ينطلق أساسًا من قتل ما تبقى من خدمات اجتماعية مجانية. فضخّ المليارات مثلاً في بناء المصحات يمثل مخاطرة حقيقية بالنسبة إلى أصحاب الشكارة في ظل وجود قطاع صحي عمومي كفء ومجاني وفعّال، لا يستطيعون منافسته. لذلك من الطبيعي أن يصل مستشفى الحسن الثاني بأكادير، وغيره من المستشفيات العمومية، إلى الانهيار التام الذي وصل إليه، في الوقت الذي ما تزال فيه مستشفيات غزة تقدم خدماتها الصحية بكفاءة عالية على الرغم من العدوان المدمر المتواصل منذ أكثر من سنتين.

بعبارة أوضح، إذا كنتم تنتظرون من الحكومة التي تشجع رأس المال وتؤمن بلغة الأرقام والأعمال وتدافع أولاً وقبل كل شيء على الباطرونا أن تبني قطاعًا صحيًا مؤهلًا وناجحًا فأنتم واهمون. هناك تضارب مصالح صارخ وهذه الحكومة آخر حكومة يمكنها مواجهة هذه المشكلة لأنها تأسست أصلاً على مبدأ تضارب المصالح. وعندما يتحالف هذا التضارب في المصالح مع معضلة الفساد المستشري في القطاع الصحي، فمن العبث انتظار أي أمل إصلاحي للقطاعات الاجتماعية لأنها تبدو في نظر هذه الحكومة والجهات التنفيذية فيها مجرد فرص أخرى لقناصي الفرص.

أنا أتحدث بكل ثقة ويقين، وأقولها بكل صراحة: لن ينعم المغاربة أبدًا بخدمات صحية مجانية وعمومية في المستوى. شبكة المصالح الضخمة التي تخترق هذا القطاع أكبر بكثير من أي إرادة إصلاحية مهما كانت عليا، أرباب المصحات الذين اقترضوا المليارات لشراء المعدات الطبية وتشييد البنايات الأشبه بالفنادق، ينتظرون الزبائن (لا يعتبرونهم مرضى في حاجة إلى خدمة إنسانية) لجمع المداخيل وأرقام المعاملات الكافية لتحقيق الأرباح، لذلك فهم مستعدون لتقديم أي مقابل يضمن اضطرار المواطنين للهروب من المستشفيات العمومية واللجوء إلى القطاع الخاص. ولكم أن تتساءلوا معي: من هم أرباب هذه المصحات التي تتناسل كالفطر؟