قضايا

بالأحمر.."تمغرابيت"..بين البحث عن هوية جامعة ومخاوف الإنغلاق

عبد العزيز بن صالح (تدوينة)

يشهد الخطاب العمومي في المغرب في السنوات الأخيرة حضورًا لافتًا لمصطلح "تمغرابيت"، الذي انتقل من فضاءات الاستعمال الشعبي إلى لغة السياسيين ووسائل الإعلام.

هذا الانتقال السريع جعل المفهوم يتجاوز طابعه الثقافي ليصبح عنصرًا من عناصر النقاش العمومي حول الهوية، بما يثير تساؤلات حول دلالاته وحدود استعماله.

هوية متعددة الروافد

في جوهره، يُحيل مصطلح "تمغرابيت" إلى الهوية المغربية بتعدديتها التاريخية والثقافية؛

هوية تتشكل من الرصيد الأمازيغي العريق، ومن الرافد العربي الإسلامي، ومن التأثيرات الأندلسية والإفريقية واليهودية التي رافقت تشكل الدولة المغربية عبر قرون.

هذا المعنى يجعل من "تمغرابيت" إطارًا رمزيًا يستوعب تعددية المجتمع المغربي ويعيد الاعتبار لثراء مكوناته.

ويعتبر باحثون أن صعود المصطلح يعكس رغبة جماعية في إعادة تعريف الذات الوطنية داخل عالم متحوّل، وإيجاد لغة مشتركة للتعبير عن الانتماء دون الوقوع في ثنائيات الصراع الهوياتي.

التوظيف السياسي للمفهوم

غير أن دخول المصطلح إلى أجندة الخطاب السياسي أعطاه وظائف جديدة.

فبعض المسؤولين والمؤسسات يوظفون "تمغرابيت" لتعزيز سردية الوحدة الوطنية، وتأكيد الاستقرار، والحدّ من الاستقطاب الإيديولوجي.

وفي هذا السياق، يبدو المفهوم أداة لتقوية اللحمة الداخلية، لكنه يطرح في الوقت ذاته إشكالية تداخل الهوية مع السياسة، وما قد يترتب عن ذلك من استعمالات تبريرية.

فحين تصبح الهوية خطابًا سياسيًا جاهزًا، قد تتحول إلى وسيلة للتخفيف من حدة النقد الاجتماعي أو تأجيل النقاش العمومي حول قضايا أكثر عمقًا.

مخاوف الشوفينية

إلى جانب وظيفته الثقافية والسياسية، يثير المصطلح مخاوف من انزلاقه نحو الشوفينية.

فبعض الخطابات العامة تتعامل مع "تمغرابيت" باعتبارها خصوصية مطلقة لا تقبل المقارنة، أو باعتبارها أساسًا لتفوق ثقافي على المحيط.

وهذا الاتجاه، في رأي محللين، قد يؤدي إلى انغلاق هوياتي يضع المختلف في خانة "الخارج عن روح تمغرابيت"، ويحوّل الهوية من مساحة انتماء إلى أداة فرز وإقصاء.

وتبرز هذه المخاوف بشكل خاص حين يصبح المصطلح بديلًا عن معالجة الاختلالات الاجتماعية أو يقدَّم كغطاء لغوي يخفي هشاشة الواقع.

رغم الجدل، يبقى "تمغرابيت" مفهومًا حيًا لم يكتمل بعد.

فهو من جهة يعكس رغبة في الاحتفاء بالتعدد المغربي وإعادة صياغة الهوية في قالب عصري، ومن جهة أخرى يتعرض لشحن سياسي وعاطفي قد يحمّله ما لا يحتمل.

والسؤال المطروح اليوم هو:

هل سيستقر المصطلح كهوية جامعة تنفتح على الاختلاف؟

أم سينزلق إلى خطاب هوياتي ضيق يكرّس الفخر المبالغ فيه ويحدّ من النقد البنّاء؟

فبين الثقافي والسياسي، وبين الاحتفاء والانغلاق، يقف مفهوم "تمغرابيت" في مرحلة اختبار.

وطريقة تداوله خلال السنوات المقبلة ستحدد إن كان سيصبح إطارًا للتعايش واعتزازًا بالتعدد، أم شعارًا جاهزًا يُستخدم لتجميل الواقع أكثر مما يعبر عنه.