فن وإعلام

مُدُنٌ مِنْ أجْل مَدِينَة

صلاح بوسريف

 

 

لا أحد يعرف شيئاً عن معرض للطِّفْل والشباب في مدينة الدار البيضاء، بعد أن كان الجميع يعرفون معرض الكتاب الدولي بنفس المدينة، لعُقُود من الزمان، قبل اخْتِطافِه من قِبَل وزير الثقافة الحالي.

 ومعرض الأطفال والشباب هذا، ليس سِوَى ذَرٍّ للرَّماد في العُيون، وتبرير سَرِقَة موصوفة، تَمَّت نهاراً جِهَاراً، ومع الأسف، فمن المثقفين من باركوها، وشرعوا يبررونها، لما استفادوه منها كأشخاص، وهؤلاء هُم من تراهُم بأكثر من وجه ولا وَجْهَ لهُم، في زمن اخْتَلَّت فيه الوجوه، صارت أقنعة بأصباغ القَناعات التي ما إن تشرق عليها الشمس، حتًّى تذوب وتتبخَّر، وتَنْفَضِح.

لا يمكن أن تكون مدينة الرباط هي المغرب، أو هي المدينة الوحيدة التي حظيت باهتمام زائد عن المُدُن الأخرى، فهذه عودة إلى المركزية، وعودة إلى احتكار واستعمال إمكانات جهات ومُدُن أخرى لصالح مدينة واحدة، بما في ذلك سرقة معرض الكتاب الدولي من مدينة الدار البيضاء، ونقله إلى مدينة الرباط.

مَنْ يُشْعِل الأنوار، عليه أن يُشْعِلَهَا في كُلّ المدن والجهات، لا في مدينة وجهة، أو إشعالها في مدينة وجهة، وإطفائها في غيرها من المدن والجهات، بما ليس في مستواها، ولا في قيمتها الثقافية والحضارية، ونعني مدينة الدر البيضاء التي تَفْتَقِر اليوم إلى من يُدافِع عن حقها في استعادة ما نُهِبَ منها، وكان آخر ما سعى وزير الثقافة إلى نهبه من المدينة بتواطؤ مع منتخبي المدينة، مقَرّ سوق الجملة السابق لتحويلة إلى شركة أو فضاء للألعاب الإلكترونية التي باتت هي شُغْلَه الشَّاغِل، لما له فيها هو وغيره من مآرب، لا تعني الألعاب في ذاته.

وإذن، فمعرض للطفل والشباب، هو مُجرَّد تَعْمِيَّة وتدليس على المدينة، وعلى ساكنتها، وعلى مثقفيها، ومن يعنيهم شأن الثقافة والنشر والكِتَاب، وهو تعبير صارخ عن الاستهتار الذي هو من سمات هذه الحكومة في كُلّ شيء، لا في الثقافة وحدها، ووزير الثقافة الحالي، هو مثال للشَّخْص الذي الثقافة عنده، بما هي فِكْرٌ، وخيال، وتربيَّة وتكوين، أو إنسان مواطن بالأحرى، لا وُجُود لها في كُلّ كلامه الذي هو كلام فارغ، وسيكتشف المغاربة هذا بعد رحيله، وسنعود إلى نقطة الصفر التي لا نفتأ نعود إليها مع زَوال مسؤول وحلول آخر مكانه، كُلّ واحد يأتينا بِبِدَعٍ، بمجرد أن يذهب يبدو أنها مجرد فُقَاعات تتبخَّر في الهواء، وكأنَّ هذه الدولة لا تاريخ، ولا تَرَاكُمَات لها، ولا بَرامج، ولا مشاريع تنموية، وكأنَّ الوزارة، هي عمل الوزير، بما يأتي به، لا بما كان، وعليه أن يُضِيف إليه، ويبتكر ما يكون أفقاً لبرامج أخرى ذات قيمة في التنمية، وفي تطوير القطاع الذي يُشْرِفُ عليه.

السبب في هذه الفوضى وهذا الاستهتار، هو غياب سياسة ثقافية تتبنَّاها الدولة، وتكون هي العقد الثقافي والفني الذي في ضوئه يعمل الوزير، ويعمل على توسيعه، والإضافة إليه، لا على إلغاء ما يُرِيدُ، والإبقاء على ما يُرِيد، الهَوَى، والرأي الغَلَط وغير السَّدِيد، بل العشوائية والمزاج، هي ما يحكم عمله، وكأنَّه يعمل في حانوت عطَّارٍ، وليس في مُؤسَّسَة الدولة، وفي قِطاع حيويّ، له خَطَرُهُ على المجتمع، والمدرسة، والإعلام، بل وعلى الإنسان، أيّ إنسان، لأيّ مجتمع، ولأيّ مستقبل، وبأيّ فِكْر ورأى ووعي.