قام الزميل يونس مجاهد، رئيس اللجنة المنتهية الصلاحية القانونية، والممنوع حتى من التوقيع باسم اللجنة المؤقتة على أبسط الأمور، بما في ذلك أجور موظفيها الذين يعيشون مآسي اجتماعية حقيقية، بالخروج لمواجهة زميله الذي تناوب معه على قيادة النقابة الوطنية للصحافة المغربية لمدة ربع قرن، وكانت مع هذا الزميل أحداث تاريخية يمكن للفاعلين والمؤرخين قراءتها في الوقت المناسب، لكن هذا ليس موضوعنا الآن..
ما يهم اليوم هو أن مجاهد حاول حشر البقالي في الزاوية الضيقة، بل نعته بارتكاب أخطاء جسيمة، وزعم أنه لا يفقه في القانون، وأن مشاكل المجلس كلها أو جلها تعود إلى لجنة البطاقة التي ترأسها البقالي لسنوات منذ انطلاقة المجلس الوطني، والتي أقبرها وزير الاتصال بإرادة حكومية باردة. ورغم أنني انتقدت البقالي في مقال سابق ووقفت عند بعض الأخطاء التي ارتكبها، إلا أن خروج مجاهد بأسلوب التشيطين الممنهج ليقول إن كل الأمور سارت بطريقة ممتازة، مستندًا إلى تصريحات للبقالي في خرجته، وحتى بترا من السياق، هو محاولة واضحة لتضليل الرأي العام وتشتيت الانتباه عن الحقائق.
كما حاول التهويل وربما توجيه تهديد مبطن للبقالي مطالبًا إياه بالكشف عما يقصده بالاستهداف الذي أشار إلى أنه كان يصوت منفردًا ورفض حتى حقه في الانسحاب أو عدم الحضور. وفي الوقت نفسه، منح الآخرين من اللجنة المؤقتة حماية غير دستورية وخارج أي إطار قانوني، تكاد تضاهي تصرفات أقسى الديكتاتوريات، مما أتاح لهم ممارسة التنكيل بالصحفيين، خصوصًا أولئك الذين ظهروا في الجزء المسرب من الشريط، رغم أن مجاهد ادّعى أنه طلب إجراء بحث، في محاولة التذاكي على أسلوب التشيطين. وحتى في محاولته للاعتذار، ذهب مجاهد للاعتذار للمحامين، لكنه لم يعتذر لزملائه الصحفيين و النقابيين عما ورد في الشريط الذي فضح التعذيب المعنوي والقانوني وطرق التعامل القاسية مع الإعلاميين، مما يؤكد استمرار منهجية التجاهل والإفلات من العقاب والمحاسبة.
هذا بالإضافة إلى منحه الحصانة لأعضاء لجنته المعيّنة من طرف الحكومة والمنتهية ولايتها، وكأنهم يملكون صك غفران قانونيًا وأخلاقيًا. ووفق منطق مجاهد، يكفي هؤلاء أن يقدموا "اعتذارًا" لتطوى جميع التجاوزات وكأنها لم تحدث، بينما الحقيقة أنهم شنّعوا بسمعة الناس ونكّلوا بالصحفيين واتخذوا قرارات باطلة.
يونس مجاهد، وبإصرار ممنهج، لم يعتذر عمّا شاع من كلام نابي خرج من محيط لجنته وفي حضوره، وكأن الأمر عابر لا يستحق الاعتبار، مما يعكس ذهنية فوق المساءلة وتبرير الإساءة باسم الاختصاص، وبذلك، تظهر ازدواجية المعايير وكذب مجاهد المنهجي ومحاولة تحويل الموارد الشخصية والمنصب إلى مناطق محرمة على الصحفيين والمهنة، وكل ذلك على حساب العدالة المهنية وحرية التعبير، وعلى حساب السمعة والمصداقية التي ناضلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية على حمايتها لعقود..
ولأن المشترك عند الزميلين المتخاصمين قاعدة، والخصام والملاسنات ظريفية، تفضحهما عبارات تلمس العذر لبعضهما، فإنهما معا ختما خرجتهما “البودكاستية” بمباركة مشروع القانون المشؤوم وباقي القوانين التي صيغت وراء ظهر نقابتهما وفصلت بعناية لتسمح لهما بالعودة من نافذة فضحتها الأقدار، مما يؤكد أن الهدف كان خدمة المصالح الفردية واستمرار الهيمنة على النقابة. وليس مصلحة المهنة أو الصحفيين.
أخلاقيًا، كان يفترض في مجاهد والبقالي تقديم استقالتهما فور إعلان النقابة رفضها للقوانين المعروضة، لأنها ضد مصالح الصحفيين، لكنهم بدل ذلك حملوا معاول الهدم لضرب القيادة النقابية بتحالف مكشوف، في حين أصرت النقابة على تحرير القرار وجعله ديمقراطيًا. وسيظل كل ما وقع شاهدًا يدينهم إلى أن يأتي وقت الحساب.
لقد قام يونس مجاهد بوصف بعض أعضاء اللجنة بالـ"أساسيين" بطريقة تحمل تحقيرًا صريحًا، متجاهلًا أو متنكّرًا لآخرين، في سلوك يعكس انتقائية صارخة تفتقد للحياد والمهنية، وتهدف بوضوح إلى تقليل قيمة بعض الأعضاء وتشويه صورتهم أمام الرأي العام.
وفي سياق متصل، حاول مجاهد تبرير عدم نشر لوائح الصحفيين بالإشارة إلى هيئة مهنية لم يفصح عنها، زاعمًا أنها منعت النشر، في ادعاء يثير أسئلة قانونية وأخلاقية جوهرية: هل يحق لأي هيئة أو مؤسسة، مهما كان شأنها، أن تحجب عن الرأي العام معلومات تتعلق بمؤسسات البلاد وتطبيق االنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بصفتها مؤسسة قانونية تقوم بالتاطير وفقا للدستور وشرعية، طالبت رسميًا وفي عدة مناسبات بنشر هذه اللوائح، ما يؤكد أن المطالب كانت قانونية ومبررة. بينما اعتمد مجاهد على حجج متضاربة، مدعيًا أن مؤسسة دستورية تمنعه من ذلك، في محاولة واضحة لإخفاء الحقيقة وتحجيم الشفافية أمام الرأي العام. هذا السلوك يعكس تحقيرًا ممنهجًا للأعضاء الشرعيين واستهدافًا للهيئات المهنية، واستغلالًا للسلطة لإعاقة الرقابة القانونية والمهنية على المؤسسات الصحفية.
وفي رأيي، نحن أمام محاولة ممارسة أخطر أشكال القمع، وهو التضليل الممنهج. الهدف من هذه الخرجات، رغم كشفها لتضارب المصالح وغياب قوانين واضحة تحكم اللجنة المؤقتة ورعاتها، هو تغطية الجريمة التي يُراد تمريرها عبر مؤسسة دستورية هي مجلس المستشارين، ويتعلق الأمر بمشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة المفصل بكذب رسمي، وبغطاء من أعضاء اللجنة.
إن هذا الكذب الممارس على المؤسستين التشريعيتين يقتضي تشكيل لجنة تقصي الحقائق على مستوى الغرفتين لمعرفة كل التفاصيل المتعلقة بهذا القانون، ومعالجة الإخلالات التي أسهمت في السقطة الأخلاقية التي حاول مجاهد تبريرها.
ما حدث في الشريط يشكل جريمة تتطلب متابعة قضائية صارمة، لأنه فضح مصالح مجموعة من الأشخاص على حساب الحق العام. لقد فضحتمونا أمام العالم، وأسقطتم الثقة في المؤسسات، وفي يدنا كنقابات وأحزاب ومجتمع مدني وصحفيات وصحفيين ملتزمين بالقيم المهنية. نسأل الله ألا يؤاخذنا على هذا
..الظلم، وأن ينصف الحق ويعيد للمهنيين مكانتهم الحقيقية.
إنما الأمم الأخلاق
يتبع...






