كشف تقرير حديث صادر عن منصة "تير تشاينا"، المتخصصة في أخبار وتحليلات قطاع صناعة مكونات السيارات، أن “مع تزايد استثمارات شركات السيارات العالمية في المغرب، لم يعد البلد، الواقع في شمال إفريقيا، مجرد خلفية جديدة لتصنيع السيارات، بل أصبح موقعا استراتيجيا لا يمكن لشركات الإطارات تجاهله”.
وأضاف التقرير الصيني ذاته أن “سر جذب المغرب عمالقة صناعة السيارات، ومنهم الشركات الصينية، يكمن في التحول الواضح لسلاسل توريد الإطارات نحو مناطق قريبة من أوروبا، منخفضة التكلفة، وبدون رسوم جمركية”، مبرزا أن “صناعة السيارات المغربية تسير بوتيرة سريعة، فالإنتاج الفعلي في العام الماضي وصل إلى 560 ألف سيارة، والهدف الرسمي هو الوصول إلى مليون سيارة سنويا بحلول نهاية السنة الجارية، ما يعني أن السيارات المصنّعة محليا ستخلق طلبا ثابتا وسريع النمو على الإطارات”.
وأضاف أن “مصنع ‘رونو’ في طنجة يُعد من أكثر المصانع كفاءة عالميا، بطاقة إنتاجية تزيد على 300 ألف سيارة سنويا، كما رفعت ‘ستيلانتيس’ إنتاجها إلى 500 ألف سيارة، وهذه الشركات تحتاج بشدة إلى سلاسل توريد محلية وفعّالة للإطارات”، مشيرا أيضا إلى “دخول علامات صينية مثل BYD و’جيلي’ إلى المغرب، جالبة معها سيارات جديدة ونموذج سلاسل التوريد الصيني، مما وفر فرصة مثالية لشركات الإطارات الصينية التي تتمتع بمزايا التكلفة والقدرة على الاستجابة السريعة”.
وشدد التقرير على أن “القيمة من بناء مصنع في المغرب تتجاوز مجرد التكلفة المنخفضة؛ إذ إنها تستهدف النقاط الجوهرية في صناعة الإطارات في المغرب، الذي لديه اتفاقية تجارة حرة كاملة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك ترتيبات لإلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة والشرق الأوسط وإفريقيا؛ إذ تجمع المملكة بين هيكل تكلفة إفريقي، وصول إلى السوق الأوروبية، قنوات موارد الشرق الأوسط، وتسهيلات تجارية مع الولايات المتحدة، وهو توليف نادر عالميا”.
وزادت “تير تشاينا” أن “تصنيع الإطارات في المغرب يتيح دخول السوق الأوروبية بدون رسوم جمركية، بعيدا عن تحقيقات الإعانات المضادة للاتحاد الأوروبي، ويسهّل تحقيق متطلبات التصنيع المحلي”، مبرزة أنه “نظرا لأزمة الطاقة، ونقص العمالة، وسياسات أمان سلاسل التوريد الأوروبية، والمتطلبات الجديدة لقوانين البطاريات، تبحث الشركات الأوروبية عن مكان أقل تكلفة وأقل ضغطا من النقابات ومتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي وبمسافة لوجستية قصيرة، وهذا المكان هو المغرب”.
وسجل المصدر ذاته أن “ميناء طنجة يبعد عن أقرب نقطة في إسبانيا 14 كيلومترا فقط، وهو أقرب من أوروبا الشرقية من حيث وصول سلاسل التوريد الأوروبية، وما يمكن للشركات الأوروبية فعله في المغرب يفوق بكثير ما يمكن فعله داخل الاتحاد الأوروبي”.
وذكر أن “أوروبا تسعى إلى تحويل أخضر تاريخي، بما في ذلك آلية تعديل الكربون على الحدود، وقوانين البطاريات، والتدقيق في سلاسل التوريد، وهذا يعني أنه يجب تتبع البطاريات، وتقليل الكربون في المواد الخام، وضمان الشفافية في السلسلة، وارتفاع تكاليف التصنيع خارج أوروبا”، مؤكدا في هذا الصدد أن “المغرب يملك ثلاث مزايا تلبي هذه المتطلبات، هي: الاحتياطات الفوسفاتية الضخمة، التعاون مع الاتحاد الأوروبي في الهيدروجين الأخضر والكهرباء الخضراء، وميناء طنجة المتوسط، أحد أكثر الموانئ الإفريقية كفاءة بمستوى تحديثي متقدم، ما يجعله ملائما لسلاسل التوريد الأوروبية الخضراء”.
وأبرز المصدر نفسه أنه “على عكس العديد من الدول التي تظل السياسات فيها شعارات، فالمغرب من الدول القليلة التي تمتلك استراتيجية صناعية طويلة الأمد، مستعدة لإنشاء مجمعات صناعية، وتقديم حوافز للقطاع الصناعي، والاستثمار في البنية التحتية، وضمان أمان الاستثمارات الأجنبية”.
وبين أنه “بالنسبة لشركات الإطارات الصينية الطامحة للتوسع عالميا، وخاصة السوق الأوروبية، يمثل المغرب قيمة استراتيجية فريدة، ليس مجرد منصة لتجنب المخاطر التجارية، بل نقطة اتصال مباشرة مع شركات السيارات الأوروبية الرئيسية، وإدماج في سلاسل التوريد العالمية المتميزة”.
وخلص تقرير منصة “تير تشاينا” إلى أن “صعود المغرب يمثل نموذجا لإعادة هيكلة سلاسل التوريد الإقليمية لصناعة السيارات عالميا. وبالنسبة لشركات الإطارات، هذا ليس مجرد نقل قدرة إنتاجية، بل تغيير قواعد اللعبة من منافسة على التكلفة فقط إلى منافسة شاملة تشمل تسهيلات تجارية ودعما محليا وتوافقا بيئيا، ومن يتمكن من الاستقرار أولا في المغرب ستكون له اليد العليا في المنافسة الأوروبية القادمة”.






