من أكتر الأشياء الملفتة و المحفزة على عشق أدب نجيب محفوظ ، بخلاف كل ما هو معروف عن الحبكة و " تمعلميت " الاستثنائية لأحد أهم الأدباء العرب في آخر مائة عام ، هي " القفلة " ، أو اللمسة الأخيرة التي كان يختم بها الروايات في غالب الأحيان ....
كانت تشبه التوقيع الخاص في نهاية أعماله ....
بعد ملحمته الشهيرة العابرة للأجيال " الحرافيش " ، وقصص الانتصارات والهزائم و الهبوط و الصعود ، و كل ما فيها من دراما قد تجعلها أفضل رواياته ، اختتمها بلمسة شاعرية عذبة و فريدة ......
توقيع يصلح لأن يكون آخر ما يتذكره القارئ بعد ملحمة متكاملة ....
" فقال له قلبه : لا تجزع ، قد ينفتح الباب ذات يوم ..... تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة " ......
أما في نهاية الرواية الخالدة " أولاد حارتنا " ، و بعد كل محاولات إنقاذ الحارة أو الدنيا المصغرة من جبروت الطغاة و المستبدين ، والتي انتهت بكاملها إلى انتكاسة مذلة كدأب التاريخ دائما ، اختتمها ببصمته مرة أخرى ....
" لكن الناس تحملوا البغي في جلد ، ولاذوا بالصبر ، واستمسكوا بالأمل ، وكانوا كلما أضر بهم العسف قالوا لا بد للظلم من آخر ، و لليل من نهار ، ولنرين في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب " .....
الرائع أن نجيب محفوظ لم يكن يضع نهايات مُرضية للقارئ على غرار نهايات الأدب الرومنسي، ولا نهايات صادمة و حزينة على شاكلة الأدب الروسي مثلا .....
كان الرجل ملك الواقعية المعقولة ، يختار وضع نهاية منطقية مناسبة لأحداث القصة أولا ، و لمنطق التاريخ ثانيا ....
كان دائم التأكيد على أن الأمل موجود في المستقبل ، حتى ولو بدا بعيدا ، و لكن دون بهلوانيات مغرقة في المثالية ......
حتى و لو كان هذا الأمل أقرب لهلوسات درويش ، و لكن نجيب محفوظ كان مؤمنا بأن الحياة بلا أمل هي الجحيم ذاته .....
أو مثلما قال " دانتي " أديب عصر النهضة العملاق في الكوميديا الإلهية واصفا المدون على بوابة الجحيم .....
" أيها الداخل هنا ، أترك وراءك أي أمل " .....
رحم الله الكينغ المصري ...






