رأي

خالد أخازي: الجزيرة خارج التغطية.. قطر الإعلامية... ليست قطر الرسمية

في الوقت الذي استقبل فيه الخليج العربي، بكل منابره ووسائطه وأنظمته ومجتمعه المدني، قرار مجلس الأمن الأخير بكثير من الارتياح، باعتباره انتصارا للرؤية المغربية وعدالة القضية الوطنية في الصحراء، بدت قطر تغرد خارج السرب، أو على الأقل خارج إيقاع الانسجام الخليجي الواضح. القرار الأممي الأخير أكد بجلاء أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تشكل الحل الواقعي والوحيد للنزاع المفتعل، وأن الرؤية المغربية أصبحت اليوم مرجعا معتمدا لدى المجتمع الدولي.

في هذا السياق، عبرت السعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان عن دعم صريح للمغرب وسيادته على كامل ترابه، مؤكدين أن وحدة المغرب الترابية جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة. أما الدوحة، فقد فضلت مرة أخرى اللغة الرمادية، لغة التوازن الحذر التي تُبقي الباب مواربا ولا تمنح الموقف وضوحه الكامل.

البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية القطرية اكتفى بالقول إن قطر تدعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي دائم يضمن سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية. جملة محسوبة بدقة، لكنها باردة في نبرتها، تخلو من الحماسة التي عبّرت بها العواصم الخليجية الأخرى.

غير أن المفارقة الأشد وضوحا تتجلى في الوجه الإعلامي لقطر، أي قناة الجزيرة، التي تبدو كمن يعيش خارج التغطية. فبينما تتحدث الدوحة بلغة الدبلوماسية، تتحدث الجزيرة بلغة الالتفاف. في تقاريرها تُقدَّم قضية الصحراء كـ"نزاع إقليمي"، وتُفصل الخريطة المغربية عن أقاليمها الجنوبية، وتُفتح المساحات لخطابات الانفصال وكأنها وجهة نظر مشروعة. تلك ليست مهنية، بل تلاعب إعلامي بغطاء الحياد.

قطر الرسمية تقول إنها مع المغرب، أما قطر الإعلامية فتبدو منشغلة بإرضاء أطراف أخرى، أو ربما بالمزايدة على فكرة الحياد حتى حدود الغموض. إنها مفارقة تضعف مصداقية الدوحة، وتفقدها الاحترام الذي اكتسبته من التزامها المعلن بوحدة التراب المغربي. فكيف يمكن لبلدٍ يدعم رسميا مبادرة الحكم الذاتي أن يسمح لمنصته الإعلامية الكبرى أن تنسفها بخرائط وألفاظ ملتبسة؟

الازدواجية لم تعد هنا مجرد تباين بين السياسة والإعلام، بل أصبحت تناقضا بنيويا في الخطاب القطري نفسه. الدوحة تتحدث بمنطق الدولة، والجزيرة بمنطق اللعبة. السياسة تسعى للتقارب، والإعلام يفتح الثغرات. في النهاية، الصورة التي تبقى في ذهن المشاهد ليست تلك التي تقولها وزارة الخارجية، بل تلك التي تبثها الكاميرا.

لقد حسم مجلس الأمن اليوم الأمر لصالح المغرب، وأغلق باب المناورات. الرؤية المغربية لم تعد وجهة نظر، بل صارت واقعا معترفا به دوليا. ومن العبث أن تبقى قناة الجزيرة عالقة في زمن الشك القديم، وهي التي تدّعي المهنية والسبق والوعي بالتحولات.

إن احترام سيادة الدول لا يكون بشعارات البيانات، بل بتوحيد الموقف في الكلمة والصورة. وما لم توفق قطر بين خطابها السياسي وخطها الإعلامي، فستبقى صورتها منقسمة على نفسها: قطر الرسمية التي تقول "نحن مع المغرب"، وقطر الإعلامية التي تهمس بشيء آخر.

الوقت لم يعد يحتمل الغموض. فإما وضوح في الموقف، وإما صمتٌ يشبه الاعتراف بالعجز. لأن المغرب اليوم لا يحتاج بيانات تضامن رمزية، بل مواقف شجاعة تحترم وضوحه وثباته وحقه المشروع في صحرائه...

وهذا هو جوهر " مقاربة التغيير لا التدبير" فمن معنا... عليه ألا يلعب على الحبلين.