توالت على تدبير قطاع التربية الوطنية؛منذ أن تولاه اول وزي في حكومة الاستقلال ( العلامة محمد الفاسي)أسماء وازنة وباهتة؛ متحزبة، تقنوقراطية وايضا مستقلة.
وبسبب رمزية وجسامة المنصب، فلم يجرؤ احد على اسناده، لرجل أعمال،مشغول
قليلا أو كثيرا؛ لاعتبارات عملية، منها أن القطاع صعب، ومشاكله متراكمة ومتشابكة ؛يهابه ويتهببه كل من يطمح فيه واليه ؛ مهما علت قدراته؛على اعتبار انها مسؤولية معرضة لنيران النقد والمساءلة، سواء من الطبقة السياسية، أو من فئات المجتمع؛ حد الاحتجاج والتمرد. يكفي التذكير أن أعنف الاحتجاجات والخضات المجتمعية التي عرفها المغرب ؛انطلقت من
حجرات الدراسة ومدرجات الكليات وقاعات الاحياء الجامعية.
أن تسند هذه الوزارة، في ظرف انتقالي صعب، الى رجل اعمال؛ ليس له أي اتصال بقضايا التعليم؛ قد لا يكون عيبا في حد ذاته، بنوع من التجاوز والتسامح ؛ غير ان استحضار شرط مواصفات المرشح ومؤهلاته،أمر واجب؛من زاوية الحرص على هذا المرفق
الحيوي،الشديد التعقيد من انزلاقات ظلت محدقة به منذ عقود.
وطبيعي ان ما عجز عن حله الوزير السابق ( بنموسى)، وهو تكنوقراطي كفء، خريج أرقى الجامعات، من فرنسا وأمريكا؛ لا يمكن أن يكون سلسا أمام السي برادة؟
فأية خارطة طريق سيسلكها الوزير الجديد ؟ هل يغلب الرؤية الحزبية؛ باعتباره عضوا في المكتب السياسي لحزب
التجمع الوطني للاحرار، متزعم الاغلبية ؟ ام انه سيتعامل مع قطاع التعليم كورش مثل سائر الأوراش؛ يعتمد على الهندسة الصارمة لحل ما استعصى من معضلاته واختلالاته؟
لا يغيب عن الذهن في هذا الصدد، ان المدة الفارقة عن الانتخابات التشريعية المقبلة وانتهاء الولاية الحكومية،غير كافية لتفكيك بنيات الورش التعليمي الكثير الإعطاب. لن يقدر الوزير خلال المدة
المتبقية،على التوفيق والانسجام بين الرؤية الحزبية التي توصف مجازا،بأنها ليبرالية( وهي بعيدة عنها) وبين متطلبات المقاربة التقنوقراطية الهندسية الصارمة؟
هل هو النزوع المضمر،نحو خوصصة،متدرجة لقطاع مشتعل؟
في هذا السياق، طبيعي ان نستحضر بالبال سؤالا بديهيا:
هل تمت استشارة ما ؛مع المجلس الأعلى للتربية والتعليم ؛ بخصوص مواصفات ومؤهلات أي نرشيح لوزارة التعليم ؛ قبل الاعلان عن اسمه؟ وإلا،ما جدوى هذه المؤسسة الاستشارية المكلفة؟
على اي، ليس القصد هنا شيطنة المستقبل ولا الحكم على الوزير ؛ دون إستبعاد قاعدة " السابق يفسر اللاحق" اي ان المشاكل ستتعقد مع الداخل الجديد من باب الرواح.
عموما انها المرة الأولى في تاريخ المغرب الحديث، يفاجأ بوزير للتعليم ، قادم من عالم المال والاعمال والصفقات؛ يعرف القليل عن مساره الفكري؛ سوى انه خريج هندسة ورجل أعمال ناجح يمتلك عدة شركات؛ فيما تجهل الصفات اللازمة للمنصب ؛ من قبيل الافق الفكري والتربوي والقدرة على حل المشكلات؛ إضافة إلى اجادة أساليب الخطابة والحوار
والاقناع. نقط ليست جيدة في سجل الوزير الجديد: انه قريب جدا من رئيس الحكومة ورجل ثقة زوجته في تدبير تجارتها. أما الضعف الاخير فيتمثل في انه وزير لقطاع حارق دون غطاء سياسي ونقابي منقذ ومغيث في الشدائد حينما ينفرط اتفاق التحالفات والتنسيق بين مكونات الاغلبية.
كان الله في عون السيد الوزير. ليتذكر اغنية الراحل فتح الله المغاري: علاش جيتي في هاد
الظروف . ظروف قاسية وصعيبة?!!