لذلك فإن ما يغفله أصحاب هذا الرأي أو يتجاهلونه هو أن المحاماة والمحامين وعلى مدار أكثر من 100 سنة، عمر رسالة الدفاع بالمغرب، كانوا ولازالوا يوفرون للمحتاجين وذوي الدخل المحدود وحتى في أحلك فترات العدالة بالمغرب، الحق في الدفاع والمساعدة القضائية والمساعدة القانونية، بل والمساعدة المادية بدون مقابل إيمانا منهم بأن ضمان الحق في الدفاع من أعمدة العدالة في الدولة الحديثة.
لذلك فإن المحاماة لما قالت، لا لوزير العدل، وعبرت عن رفضها لما جاء به مشروع قانون المسطرة المدنية، إنما قالت ذلك حماية للمواطنين بالمغرب العميق وذوي الدخل المحدود ومرتفقي العدالة، وحقهم في الاستفادة من خدمات الدفاع، لأن حرمان المتقاضي من حقه في درجتي التقاضي وحقه في مراقبة محكمة النقض لمحاكم الموضوع بخصوص نزاعه، سيكون ضربا لحقه الدستوري في الدفاع، وسيكون المحامون بعدم الدفاع عن هذه الحقوق قد تخلوا عن الفئات الاجتماعية الهشة، والتي سوف تجد نفسها أمام محراب العدالة بدون حقها الدستوري المجسد في الولوج إلى العدالة على قدم المساواة مع أصحاب الملايين والملايير من الدراهم الذين سيستفيدون من درجات التقاضي ومراقبة محكمة القانون لقضاياهم ونزاعاتهم القضائية، هذه المبادئ التي يمكن الاطلاع عليها في الفصول من 117 إلى 128 من الدستور المغربي.
إن التنصيص على إمكانية اللجوء إلى القضاء من طرف المتقاضي بدون الحاجة إلى محامي، هو تنصيص على حرمان المتقاضين من الاستفادة من خدمات المحامين وتركهم يواجهون إجراءات التقاضي بأنفسهم، وهو لعمري تنصيص على خرق مبادئ الدستور وخرق قواعد وإجراءات قانونية وصلت إليها الإنسانية بعد جهد جهيد، وهو مايعرف في الأدبيات الحقوقية بالمحاكمة العادلة وحقوق الدفاع.
إن الحديث عن المسطرة الشفوية في مشروع قانون المسطرة المدنية هو حديث عن إجراء لم يعد له وجود في الواقع، ذلك أن كل المساطر بدون استثناء تتم بواسطة مقال مكتوب مؤدى عنه، أو معفى بقوة القانون، والتنصيص على المسطرة الشفوية هو تشجيع للاقتصاد غير المهيكل في ميدان العدالة وهو مدخل طبيعي للفساد.
لذلك، فإن ذلك سوف يؤدي إلى استبعاد المحاماة مما يشكل دعوة إلى إخلال الدولة بالتزاماتها الحقوقية كما هي متعارف عليها عالميا، وهي دعوة لاتستقيم مع ماينبغي أن يكون عليه ممثل قطاع العدل المغربي الملزم بحماية حقوق المواطن المرتفق لقطاع العدل، والوقوف والاصطفاف إلى جانب حق المواطن في الدفاع والولوج المتبصر للعدالة، بعيدا عن كل العراقيل المادية غير المقبولة، لأن القلم الذي سطر هذه المقتضيات موضوع هذا الرد ومن اجل التخفيض من تكاليف التسيير، يمكن أن يدعو إلى اعتماد المواطن الفقير على نفسه من أجل تلقي العلاج دون حاجة إلى طبيب، ويمكن أن يدعو المواطن الفقير إلى القيام بأشغال البناء، دون احترام قوانين التعمير ودور المهندس المحوري فيها، لا لشيء إلا لكون الطبيب أو المهندس طالب باحترام المبادئ الدستورية في علاقتها بالمرتفق.